أصبح الصُبح،، والسجن والسجّان لا يزال باقٍ، ولا بصيصُ أملٍ يشفي علة الصباح لنراه كما الروايات والأفلام،، أو قُل الأحلام.
صباحٌ جديد.. ككلِ صباح، الجديد فيه ألاّ جديد. وبعد تأدية الواجب الصباحي، وعمل (حركات الصباح)، يخرج (كلنا) لابتداءِ اليوم، والذهاب إلى اللا مكان، فالوجهة ليست بمهمة. لأن الأكثر أهميةً هو عملية (الخروج من المنزل) في ذاتها.
وتأتي المعضلة الأكبر وتتسع هوة المعاناة، وفي أحايين كثيرة تراودك الأفكار بالرجوع إلى المنزل، ويُصيبك اليأس والإحباط.
فحتى تصل المكان الذي أنت ذاهب إليه، عليك بالخروج قبل ساعتين على أقل تقدير لتصل في زمن (شبه معقول)، وتستطيع إلتقاط أنفاسك وتخفف خفقان قلبك المتسارع من هول مفاجأة أنك- وأخيراً، وبعد طول عناء ومشقة.. وهرولة، بل قُل سباق ضاحية- قد استطعت أن (تجد الدواب).
فالمواصلات وما أدراك ما هي؟! معاناة ليست بواهية،،،
وفي خضم هذه المعركة الصباحية يوجد الكثيرالمذهل، والذي - قد- تتخلله بعض الإيجابيات..
فهنالك المساواة تامة في الـ (جري)، و(الـعدالة) في الإنتظـــار-والتلفُـت ذات اليسار واليمين- زي (مروحة التربيزة)، والزحمة (الما فيها أي رحمة) والوقوف بـالساعات للتحديق في الفراغ والتمني بأن يظهر سراب مركبة تُعطيك حفنة أمل.
أما العدالة النوعية واحترام النساء فمجتمعنا يخطو نحوها بخطى متسارعة، وحثيثة.. فلقد أصبحنا في المواصلات نركب بالكفاءة، فالأقوى وأسرع، ولا يحمل أطفالاً "غالباً" هو الأكفأ، ويستحق أن يركب أولاً.
لستُ هنا بصدد تقييم قيّم المجتمع (السمحة) التي تُوشك على الإنقراض، ولكنّا نستعرض بعضاً (منّا).
وما يلي ذلك من قضايا جمة وكبير إشكالات، على سبيل المثال لا الحصر: شكلة الكمساري و(ماف فكة) والإستغلال (التعرفة غير المنضبطة)، والتحرش والمضايقات، و(عساكر المرور) و(مسك الزمن) للخروج بـ (مخالفة) وقطع إيصال.. وهلمجرا من الإفتتاحيات الصباحية التي تؤثِّر تماماً ببقية يومك، وتجعلك لا علاقة لك بالإنتاج الفعلي والفعال، أو ذو قرابة بالخَلق والإبداع.
أما بخصوص الأيام في ذاتها، فلدينا بالسودان أيام خاصة، ومتخصصة جداً في هذا النوع من المعاناة، فـ (يومي الأحد والخميس) ذوا طابع خاص، ونكهة غير- فالجهد والتعب بهما (مختلف) - ولم نتوصل إلى الآن إلى سرهما. مما يُثير الحيرة والتعجب، بل والإندهاش!!!
فـ (جميعها) أيام تُكوِّن الأسبوع، وبها عمل -وفي ذات التوقيت- فليس لهما زمن مختلف للدوام أو المدرسة، أو أياً كانت الوجهة. ولذا لابد أن نتشارك جميعاً لمعرفة وحل هذه المعضلة، وإن تطلب الأمر أن نطلب المساعدة والمشورة، بل والتعاون مع مواصلات الخرطوم (شخصياً).. الشهيرة بـ (بصات الوالي) للوصول إلى إجابات على أسئلتنا كـ (مواطنين/ات) كـ (مرحلة أولى)، وبعدها- ربما- ينظر الوالي إلينا بـ (عين الرأفة) ويسعى لحل أكبر أزماتنا، والتي تهدد تنمية وتطور بلدنا، وتُسهم بشكل متضخم ومهول في هدر وقتنا- والذي لا نملك منه الكثير- للركض خلف دول العالم الأقل نمواً، والتي نحتل المراكز الأولى فيها بتفوق و/عن جدارة.
ولا يفوتنا أن نذكر الدور العظيم جداً، المهم والمؤثر لـ (نقابة سائقي الحافلات)، فنحنُ كـ (جالية سودانية) مُقيمة بالسودان نُشيد بدورهم وما يقومون به من إنجازات عِظام. ولكنّا نستميحهم عذراً أن يُطلعونا على (هذا الدور)، فقط للعلم!!!
أزمة المواصلات التي تجعلنا لا نفكِّر أبعد من أن نستقل المواصلات، وننتشي غبطةً، ونموت فرحاً عندما يتوقف سائق و (يحِن علينا) من طول الوقوف.
ففي الأغلب الأعم يقول السائق (ما ماشي)، أو (ما راجعين)، أو يغيِّر وجهته المكتوبة سلفاً على المركبة، أما في اليومين المُميزين فـ (على كيفُم) تماماً في تحديد قيمة التعرفة. وما علينا إلا أن نمتثل لـ (ذلك) ونشكرهم أيضاً.
مهما حاولت أن تصف هول وعنت ورهق الـ (المواصلات) فلن يمكنك ذلك.. لأنها تفوق كل التصورات- ولكلِ (منّا) تجربته المرّة والمريرة جداً.
فقط.. علينا أن نعمل، وأن نُقصِّر (حبل الصبر) قليلاً، فكثرة الصبر تضر "أحياناً".
وأن يعي كل فرد منّا أنه مسؤول، عن نفسه على الأقل (كـأضعف الإيمان)، في معرفة حقوقه وانتزاعها، فالحقوق لا توهب ولكنها تُنتزع.
ولا يتأتى ذلك إلا بالوعي والمعرفة، إذن فليبقى الرهان عليهما.
ولنتشبث بالأمل،،، فكل وشتّى أنواع معاناتنا إلى زوال،،،
ولابد يوم باكر يبقى أخير.