الجمعة، 23 نوفمبر 2012

التحرش الجنسي: الفيل المسفوه



مشكلة التحرش الجنسي وقضايا النوع بشكل عام تصنفها معظم فئات وشرائح المجتمع على أنها تخص نوع بعينه وهن النساء، وهذا الفهم السائد مغلوط وخاطيء، لأن المشكلة أكبر وأشمل وأعمق، وتترتب اثارها السالبة ومخاطرها على المجتمع ككل، إذن هي قضية تهم الجميع على قدم المساواة وعلى الجميع المشاركة والإسهام في حلها نساءأً ورجال. العنف ضد النساء قضية مجتمعية.. لماذا؟ لأن آثار العنف الممارس ضد المرأة لا تقتصر فقط على الضحية المباشرة، بل تشمل كل الأسرة والأشخاص المحيطين بالضحية، ولأن العنف يعيق النساء من ممارسة أدوارهن بشكل فاعل مما يؤثر سلباً على تطورهن الإجتماعي، ولأن إنكار وجود هذه المشكلة في المجتمع يساهم في إستمرارها وتصاعد حدتها، ولأن مناهضة العنف القائم على الجندر مسؤولية مجتمعية، ولأن العمل على تعديل السلوك الفردي لا يمكن فصله عن التغير المجتمعي. ماهو العنف؟ هو الاستخدام المتعمد للقوة أو السلطة أو التهديد بذلك، ضد الذات أو ضد شخص اخر أو مجتمع بعينه، مما يترتب عنه أذى أو إصابة نفسية أو إضطراب في النمو أو حرمان أو موت. تعريف العنف ضد المرأة: بحسب الإعلان العالمي لمناهضة كافة أشكال التنمييز ضد المرأة:
هو أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه أذى أو معاناة نفسية بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواءً حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة. أسباب العنف الجندري: الأنظمة الإقتصادية والقانونية والسياسية والقضائية والأمنية والإعلام و المؤسسات المجتمعية، والمحيط المباشر( الأهل، الأصدقاء، الأقارب) .. إلخ. المصطلح الشائع مؤخراً مصطلح (الجندر)، ولكن به لبس مفاهيمي وخلط بينه ومصطلح الجنس، فالجندر (النوع الإجتماعي): هو الخصائص والسلوكيات التي تعتبرها الثقافة والمجتمع مناسبة للرجال والنساء، أي هو الدور الذي يقوم به كل من النساء والرجال في المجتمع، إذن هو مصطلح سيكولوجي ثقافي وليس وصف بيولوجي، أما (الجنس): فهو يشير إلى التصنيف البيولوجي للذكورة والأنوثة إعتماداً على التركيب الجيني التشريحي والهرموني، إذن هو يتناول البعد البيولوجي. الهوية الجندرية: فهي تصنيفنا لأنفسنا وللآخرين كذكور وإناث، ولد وبنت، وهي وعي الفرد بالفئة الجندرية التي ينتمي إليها، وهي بعد مهم في تطوير مفهوم الذات، والمعنى الذي تحمله الهوية الجندرية يتأثر بعمق بالثقافة التي ينشأ فيها الفرد خلال عملية التنشئة الإجتماعية. تعريف المفاهيم والظواهر المرتبطة بالعلوم الإجتماعية والإنسانية تحكمها غالباً النسبية، ونادراً ما يحدث إجماع بشأنها، فللتحرش الجنسي عدة تعريفات، ولكن توجد عناصر مشتركة في معظم التعريفات ولذلك من الصعب وضع تعريف محدد للتحرش الجنسي، لأن ما يعد تحرش في مجتمع ما لا يعد كذلك في آخر، ورغم إنتشار الظاهرة وطرحها بقوة على مستوى دولي وإقليمي إلا أن المجتمع الدولي لم يجمع على تعريف موحد لها، ولم يتصدى لها بموجب إتفاقية دولية، ولكن يفترض في كل دولة ان تضع معايير وتشاريع تلائمها لحل الظاهرة موضوع النقاش. أحد تعريفات التحرش الجنسي: أنه كل قول أو فعل أو إيماءات تخرج عن نطاق اللياقة وتصدر من أشخاص يقصدون من ورائها إستمالة اخرين ليمارسوا معهم سلوك جنسي، وقد يتم ذلك بالتهديد أو الإبتزاز أو الخوف ( من المتحرش ) أو من (نظرة المجتمع للمتحرش به)، مما يعد تعدي فاضح على حرية الآخرين وكرامتهم. ويأخذ التحرش الجنسي عدة أشكال كأن يكون كلام مبتذل أو يحمل مضامين تشير إلى رغبة المتحدث بإغواء الضحية بأساليب ترفضها الأعراف والأخلاق المجتمعية، ومن أشكاله: الملامسة البدنية أو استخدام لغة الجسد أو استخدام حركات باليد أو أي أعضاء أخرى، أو عرض صور وأفلام أمام الضحية بهدف الإستمالة والتأثير. التحرش الجنسي ترجمة للتعبير الإنجليزي: sexual harassment أو : sexual assult وفي العربية: حرشه حرشاً أي خدشه، وحرش الدابة: حك ظهرها بعصا لتسرع، وحرش الصيد: هيجه ليصيده، والشيء الحرش: الخشن، وحرش بينهم: أفسد بينهم، وتحرش به: تعرض له ليهيجه. ويتضح من هذه المعاني اللغوية أن لفظ التحرش يجمع بين القول والفعل، وأنه يحمل معنى الخشونة والتهييج والإعتداء الخفيف. هذا المعنى اللغوي العربي بالإضافة إلى دلالات المعنى الإنجليزي يتفقان على جمع معنى التحرش للقول والفعل، وهنالك من يصنف التحرش بأنه يتوقف عند القول فقط دون الفعل، وأن الفعل يدخل في إطار هتك العرض بمعناه القانوني. ويعرف آخرون التحرش الجنسي بأنه: أي قول أو فعل يحمل دلالات جنسية تجاه اخر يتأذى من ذلك، ولا يرغب فيه، وبذلك يجمع هذا التعريف بين الرغبة الجنسية والعدوان من طرف لآخر بغير رضا وتعريف آخر للتحرش الجنسي: هو عمل واعي مقصود يقوم به فرد لديه نزعة جنسية وشهوة بأساليب مختلفة ليشبع رغباته الجنسية، وبذلك يقتحم حميمية الاخر، ويتعدى على حقوقه، و هنالك فرق بين التحرش الجنسي والاغتصاب والإعتداء الجنسي. التحرش الجنسي يعتبر مقدمة لحدوث الاغتصاب وكنتيجة لأفعال التحرش وهنالك فرق واضح بين المفهومين، حيث أن الاغتصاب فعل يصحبه بالضرورة عنف جسدي سافر، أما التحرش فلا تتم فيه ممارسة للعملية الجنسية. مفهوم الاعتداء الجنسي: هو استخدام الاطفال لإشباع الرغبات الجنسية للبالغين والمراهقين، وتعرف علي أنها اعتداء جنسي بحسب القانون الجنائي الدولي، حيث أنه لا يعتبر تحرش، لأن الطفل لم يصل مرحلة النضوج الجسدي والتكوين النفسي والعقلي والبيولوجي، ولا الإرادة والرغبة الجنسية. التحرش الجنسي في المجتمع السوداني واضح كما الشمس، ولا يحتاج لإثبات وبينة، فهو موجود ابتداءً من المنزل، وبين الأقارب.. وأبناء الجيران، وصولاً وليس انتهاءاً بالشارع والمؤسسات بكافة اختلافاتها وتخصصاتها من أماكن العمل، وقاعات الدراسة، بل وحتى من يفترض فيهم الحماية واللجوء لأخذ الحقوق. والأنكى والأمر وجود هذه الظاهرة وتفشيها في أوساط يفترض فيها بث القيم ونشر مفاهيم العدالة الإجتماعية وحقوق الإنسان، ومناهضة ومعالجة أمراض المجتمع بمحاربتها والوقوف ضدها، والأهم هو أن تتمثل فيهم هذه القيم التي يتشدقون بها، وهنا تكمن خطورة اللبس المفاهيمي لديهم، فهم يعانون من إزدواجية في المعايير، بنصرتهم ودعمهم لقضايا النساء، ومناهضة كافة اشكال التمييز ضد المرأة من جهة، وهدم وهدر كيانها من جهة أخرى باختزالها في جسدها. وفي هذا لا فرق بينهم والجماعات السلفية المتطرفة.
فنحن في مجتمع يشكل من يدعون فيه أنهم (الصفوة) ومثقفي وقيادات المجتمع جل أزمات ومشكلات المجتمع نفسه، فنجد فيما يختص بهذا الجانب من الأمراض، أن التحرش الجنسي منتشر وبدرجات متفاوتة، وبذات المفاهيم والذهنية التي تحركها بنية الوعي التناسلي والنظام البطرياركي. والمعيار الأقوى لقياس مدى جدية مؤسسات المجتمع وكياناته وحقيقيتها فيما تطرحه من رؤى وحلول لمشكلات المجتمع،وقضايا (النوع الإجتماعي) تحديداً، وبما تحققه من توعية بالمجتمع ومحاربة عاداته الضارة واستيعاب فئات النساء، والمناداة بحقوقهن، وبكل ما يختص بقضية المرأة. فهي القضية التي يعرف بها مدى تطور المجتمعات وتصنيفها بين الأمم. مرض (التحرش الجنسي) تفشى وانتشر بكثرة، وهو ظاهرة عميقة وشائكة ومتراكمة، وما يزيد من حدتها وانتشارها سكوتنا عليها: (المتحرش بهن)، والمجتمع (المتفرجون على التحرش)، أما (المتحرشون) فهم يفاخرون بذلك بين أقرانهم، باختلاف تجمعاتهم وأماكن تواجدهم، فليس ثمة عقوبة، وينتشر التحرش الجنسي ويستفحل على مرأى ومسمع من الجميع، ولا يفعل شيء سوى النكران، وادعاء أننا اهل الشرف والفضيلة، وأننا الدولة الفاضلة، لذلك تمت تسميته بالحملات المناهضة للتحرش الجنسي بمصر والمغرب ب(الفيل المسفوه
وفي ذات السياق ومنذ 3 سنوات، إلتقيتُ بالاستاذ طارق مصطفى من مركز سالمة آنذاك، فأفادني كثيراً بمعلوماته الثرة ورؤيته الواضحة تجاه العنف الممنهج والقائم على أساس النوع. فله مني كل الشكر والتقدير.
*
عرّف الأكاديمين التحرش الجنسي بأنه كل الأفعال التي يقوم بها المتحرش، ابتداء من النظرة إلى الفعل الذي يسبق الجنس، والفرق فيه هو عدم الرضا. وهو الدخول في فضاء الأخر وحميميته، وعرِف مجتمعنا السوداني حالات متعددة من التحرش الجنسي ورغم تعدد دوافعه ومرتكبيه لكن يظل التحرش هي قضيه ظلت تلاحق الفتيات وأسرهن، وفي ذات الوقت لم تحرك السلطات أي ساكن تجاه تلك الممارسات، وفي ذات القضية؛ التحرش الجنسي، قابلنا الناشط الحقوقي في قضايا المرأة، طارق مصطفى، مساعد برنامج الشباب بمركز سالمة لمصادر ودراسات المرأة وممثل الحملة الدولية بعنوان أوقفوا قتل ورجم النساء، فإلى مضابط الحوار:
*يزعم البعض بان التحرش دخيل على المجتمع السوداني، ألا يمكن ان يكون كغيره من الظواهر التي نعايشها وذات جذور ضاربة في التاريخ؟بالتأكيد التحرش له جذور في التاريخ السوداني، أو ماضيه، لكن ما طرأ لاحقا هو تداول الناس لها بشكل رسمي أو اجتماعي.. وازدياد التحرش الجنسي في الآونة الأخيرة هو ذو صله بالكبت الذي يعانيه الشارع السوداني والشباب السوداني وأصبح شكل من أشكال التفريغ لديهم.ورغم أن هنالك أسباب عديد أدت لتفاقم التحرش، لكننا لا نستطيع فصل التحرش الجنسي والاغتصاب، عن ظاهرة الانتشار الشديد للمخدرات التي تنقص من إنسانية متعاطيها، وتزيد من حيوانيتهم.*ما هو دور الدراسات والمراكز النسوية، فضلا عن الناشطين والناشطات في تحليل وفضح هذه الظاهرة؟ما يجب التأكيد عليه، انه والى الآن لم تقم أي دراسات حول هذا الموضوع، كما لاتوجد منظمات عملت علي ذلك، فالكل كان منشغلاً بقضايا أخرى من أشكال العنف ضد المرأة، وابتدأنا بالحملة الدولية لإيقاف قتل ورجم النساء، وللاستفادة من الحملة لا بد من إيجاد أرقام وإحصاءات وحقائق موجودة، بناءاً على ما يتعلق بهذا الموضوع ابتداءنا عمل base and survey واستهدفنا عدد بسيط من النساء لأخذ معلومات ترتكز على نوع العينات، وليس على الكم، وتم استهداف ستات الشاي والطالبات بالجامعات والعاملات في المطاعم أو الكافيتريات، والجزء الثاني من المشروع هو بحث بالإنترنت والتلفون، من التجارب بمصر والمغرب، فيما يتعلق بالتحرش الجنسي، وكانت لديهم تجارب ناجحة جداً، وأكثر اسم لطيف مطابق للحالة بالمغرب ويشابه السودان هو ignored elephant وتعني الفيل المسفوه، أي شي بحجم الفيل، وكل الناس تراه، ولكن كأنها لا تراه.نهاية المشروع سيكون هنالكforum وستقدم الدعوى لكل المهتمين والمهتمات بالموضوع، فضلا عن صناع القرار، على أن تكون نهاية هذه المرحلة، هي بداية لمرحلة جديدة؛ حتى يكون هنالك نص قانوني يُضمن في القانون الجنائي السوداني، حتى يجرم مرتكب التحرش الجنسي.*جهاز الدولة بكليته هل هو على صلة بما يدور من ممارسات مرتبطة بهذه الظاهرة، والتي تجد مشروعيتها في اللا مساواة المكرسة أو المتحاملة ضد المرأة ؟بلا شك جهاز الدولة على صلة، فالحملة أصلاً محددة أهدافها، ونعلم أن العنف ضد المرأة مبرر ثقافياً، ونظرتنا لظاهرة التحرش الجنسي؛ أنها ليست فقط ظاهرة عادية كما يراها بقية الناس بقدر ما هي طريقة لكي تعلم النساء أن لهن فضاء يجب عليهن أن يقبعن فيه وأن الشارع ليس مكانهن، وبالتالي تصبح المعادلة: بما أن المرأة خرجت للشارع يجب أن تتحمل ما يحدث لها، ولذلك الدولة بالايدولوجيا التي تتبناها والصارمة جداً تجاه النساء، فوجهة نظرها ان النساء مكانهن المنزل، تضطر الدولة أحياناً وتقول شعارات براقة عن المرأة في وسائل الإعلام، ولكن وجهة نظرهم واضحة وصريحة تجاه النساء، لذلك لا أعتقد أن من السهولة تشريع قانون يجرم هذه الظاهرة، والأهم من ذلك ان المرأة يتم تجريمها علي الدوام مستندين علي أزيائها وسلوكها مما يجعلها ذلك عرضة للتحرش.*هل يمكن إعتبار الزي احد المحددات التي تجعل المرأة مسئولة عن التحرش الذي يتم لها؟ إطلاقاً ولا توجد له أدنى علاقة، وإذا نظرنا بهذه الطريقة فذلك يعني أن هذا الشخص ينظر للأنثى ويختزلها فقط في أعضائها التناسلية، ولا شأن لأحد بزي الآخر أو تصرفاته، فإذا لبس الفتاة وفق المنظور الديني للبعض، يري فيه ان مخل أو ضيق، باعتبار الإثارة التي يمكن أن تحدث للرجل لها، فهنا يقول أن الرجل يجب يغض نظره وكفي، وإذا أخذناه من وجهة نظر أخري، لماذا تجرم المرأة على لبسها، عبر المادة 152 التي يتحرك وفقها رجال الشرطة لإدانة النساء، في جين أن الشرطة يجب ان يقتصر دورها في حماية الناس فقط، وليس النظر في ملابس النساء وأجسادهن.*في حال وجود قوانين ومؤسسات أمنية قد يصح ما قلته، لكن يقتصر الأمر علي هذه القوانين والمؤسسات فقط ؟ طبعا لا يقتصر عليها وحدها، فقبل القوانين يجب رفع الوعي لدي عامة الناس، وقبل كل ذلك دمج قضايا النوع في كل القضايا والأنشطة، أي أن تصبح محل رأي عام وحديث في كل المنابر، وأعتقد أن أهمية إيجاد آلية لل gender equality هو الهم الأساسي، والبداية التي يجب أن ينطلق منها الناس ومن خلالها ستعدل بقية الأشياء والقوانين التي تكرس لدونية المرأة وإزلالها.*بإعتبارك male وناشط في قضايا حقوق الإنسان وتحديداً قضايا المرأة، هذا يعني أن العقلية الذكورية لا تقتصر على النوع أو الرجال تحديداً وإنما هي مفاهيم.. وهنالك نساء يعملن ضد النساء (عميلات المجتمع الذكوري)، ما هو رأيك ؟ليس النساء فقط هن المحتاجات للتوعية وانما المفترض رفع الوعي للجميع وأن يكون الرجال جزء من ال process لدمج الجندر بالسياسات، غير ان ظروف التنشئة الاجتماعية لبعض النساء ترسخ في لاوعيهن أحساس بالدونية، وهنا يجب أن نشير لدور التنظيمات السياسية وخاصة أن التغيير يفترض أن يكون جزء من مهامها، وعلى النساء داخل ذات التنظيمات عليهن ان يلتزمن بقضاياهن ولا ينخرطن في قضايا الحزب، وهنا نقول ان المرأة ذات العقلية الذكورية داخل أي حزب تعبر عن وجهة نظر الحزب وأيدلوجياته.

الخميس، 15 نوفمبر 2012

أنامل وأصوات نسائية


الرقابة الإجتماعية وتداعيات الركود

وفاء أحمد الطيب

تواصل إبداع الحركة النسوية في شتى ضروب الفن والجمال، وهو نتاج سند ودعم من إرث وتاريخ حافل صاحب مسيرة المرأة والموسيقى، خاصة أن البعض أشار إلي أنه لايمكن الفصل بينهما. وتجربة النساء الرائدات في مجال الموسيقى حفتها مصاعب وآلام وعنت، فقد عانين من نظرة المجتمع لهن وعدم تقبلهن، وكن يكتبن الكلمات بأنفسهن ويقمن بتلحينها، ونذكر هنا على سبيل المثال عائشة الفلاتية والتي كانت تعزف على آلة العود، وجداوية، ومهلة العبادية،
فاطمة الحاج، وحواء الطقطاقه، ومنى الخير، والبلابل، وسلمى عبد القادر التي عزفت على آلة الكمان ودرسته لأجيال من النساء والرجال، وقد تعاقبت وتلاحقت الأجيال مكملة لهذا الإبداع.


أما في مجال العزف والتأليف الموسيقي، فقد برعت النساء في الآلات الموسيقية والإيقاعية ـ وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر (أسماء حمزة) إحدى قامات العزف والتلحين بالسودان، وأستطعن أن يثبتن وجودهن ويساهمن في إثراء الساحة الفنية، ولكن شهدت الآونة الأخيرة غياباً نسبياً للمرأة السودانية بذات الكثافة والجمال الذي صاحب مشوارها الموسيقي، وعن علاقة المرأة بالموسيقى، والرقابة الإجتماعية التي تمارس عليها.. وعن تداعيات هذا الركود وأسبابه


التقينا بالأستاذة: أسماء محمود محمد طه، لنتعرف على وجهة نظرها في هذا الموضوع، فابتدرت حديثها قائلة: (لم تجد المرأة السودانية الفرصة في الحرية والحركة، ولم تدعم كما الرجال، والرأي العام لا يحظر على الرجال أي عمل، في الوقت الذي يضع قيود تكبل من حركة وحياة المرأة، خاصة في ضروب الفنون المختلفة، وفي السودان ينظر للفنون والآداب على أنها هامشية وغير أساسية حتى بالنسبة للرجال، ناهيك عن النساء، وإلى الآن لا يوجد قبول لها بصورة واسعة، لأن المجتمع السوداني متزمت، ونظرته للمرأة بها كثير من التحجيم ونوع من الحماية وعدم الثقة والخوف على المرأة، ولهذه الأسباب مجتمعة لم تتح لها ممارسة دورها في الموسيقى وفي كل الفنون، والآن يوجد إلي حد ما انفتاح)، والذي يحسب كمكسب للمرأة وقدر من الحرية.)


وترى أسماء أن الردة الحالية تحتاج إلى ثورة فكرية وتوعوية ونشر وبث ثقافة الموسيقى لما لها من دور في الحياة، وبها وعبرها يمكن أن تحل قضية المرأة وكل القضايا.


وأضافت: (دور الموسيقى إلى الآن مجهول، ودور المرأة فيها مهمش، ويجب ألا يقتصر على الاستمتاع والطرب فقط، فالموسيقى هي رسالة للحرية والمساواة والعدالة والحياة).


وعن دور الدولة والمجتمع والمراكز في التعريف بالموسيقى ورائداتها، ترى أسماء أن دورهم توعوي وتعريفي، وتقول: ( الموسيقى لها رسالة، وتهدف لتطوير وترقية المجتمع والمساهمة في حل إشكالاته، وحان الوقت للتعامل معها كعنصر رئيسي وفاعل ومؤثر، والموسيقى إمتهان للرجال كما النساء على قدم المساواة، وهي مجال حياتي لا علاقة له بالنوع).


وبذات الأسئلة يرى الموسيقار(شاكر عبد الرحيم)، أن للمرأة مجهودات كبيرة ومقدرة، ظلت تقوم بها في كل المجالات، وقال: (على مستوى الفنون تقوم بأدوار عديدة، فدورها كملهمة يأتي شعراً وأدباً وموسيقى، وكمبدعة موسيقية، لها إرث على مر الأجيال، ودور المرأة ظل حاضراً في الأوركسترا والموسيقى الآلية)، ويرى شاكر أن الإبداع ليس رهيناً بالنوع، وقال: (الموسيقى هي الفن الذي يأتي عبر الموهبة، والفنون تخدم الإنسانية


جمعاء).


وفي ذات السياق يقول الدكتور: علي الضو: (الموسيقى في الأصل نسوية، والرجال بدأوا متأخرين في هذا المجال، باعتبار أن الموسيقى جزءاً من هم النساء العام، لذلك لم يكن هنالك اهتمام كبير بالتجويد والانتشار، والمرأة حينما بدأت الغناء لم تفكر في الأداء الصوتي، فالحبوبة حينما تقوم بالتلحين والغناء في "العديل والزين" كان همها أكبر وأخطر من الاستمتاع، وأنها تفعل ذلك بنفسها ولا تأتي بصاحبة الصوت الجميل).


وأضاف: (إيقاع التمتم بدأته النساء، وهن من علمن الرجال الغناء والتعبير عن أنفسهم وعما يحسونه تجاههن، وأن المرأة في السودان هي التي خلقت الشخصية السودانية، غير أن الشعب السوداني تأثر بالثقافة الإسلامية العربية، ولكنه ما زال يحتفظ ويتعامل مع المرأة وفقاً للثقافة الإفريقية والتي تحترم المرأة جداً، والسودان من أكثر الدول ارتباطاً واحتراماً للمرأة، لا لشيء سوى لأنها فرضت احترامها ووجودها، ومهما فعلت الأنظمة الشمولية فهي لا تستطيع بأي حال أن تفصل بين الرجال والنساء، لأن الارتباط بالمرأة في السودان حميم وعميق ووثيق).


لم تكتفِ المرأة السودانية بالغناء فقط، وإنما برعت كذلك في مجال التأليف الموسيقي والعزف على كافة الآلات الموسيقية، (أروى الربيع) من رائدات العزف على آلة الكمان، وناقدة موسيقية، حدثتنا عن تجربتها وتقييمها لدور النساء في الموسيقى، وهي ترى أن أي فن في أي زمان ومكان لابد وأن يكون ذو صلة قوية بمجتمعه ويرتبط بظروفه وسياقاته، وهي التي تحدد أن يقدم الفن إيجاباً أم سلباً، لأنه يرتبط بالواقع وغير معزول عنه، وإذا كانت الفنون تسمو وترتقي فذلك يعني أن المجتمع كذلك، لأن الفن هو مرآة المجتمع.


وعن تجربتها كعازفة كمان وإبتعادها عن الآلة تقول: (آلة الكمان آلة متميزة، وتعرف بسيدة آلات الأوركسترا، شاركت سابقاً في فرقة أوركسترا الخرطوم الأكاديمية والتي تناولت التراث العالمي والسوداني بشكل علمي، وتحليل وتوزيع أكاديمي، ومن خلاله قمنا بتوصيل رسالة للمجتمع، ولكن ولظروفي الصحية قللت من التمارين، وبالتالي لا أستطيع المشاركة بالصورة الفعالة، لأن تقديم عمل بشكل متقن ومتكامل يتطلب جهداً كبيراً ومتصلاً، وفلسفتي في هذا الجانب إما أن تصل للمستمع بشكل جيد أو لا تصل، لهذه الظروف ابتعدت عن الآلة وعن تدريسها).


وأضافت: (الموسيقى لا علاقة لها بالنوع، والإبداع هو الفيصل، والبعض يعلل فشله وعدم ظهوره باعتبار نوعه وهذا خطأ، وعلى الرغم من أن النساء مقيدات بوضع اجتماعي وثقافي يحد من مشاركتهن، لكن ذلك لا يعني عدم مقدرتهن في الإتيان بما أتى به الرجال، كما لا يمكننا وضع ذلك كمبرر، بل هنالك من يقدم إبداعاً متكاملاً تحدده الظروف والرغبة والإمكانية في الخلق والإبداع غض النظر عن النوع، وهي تراث إنساني).


وترى أروى أنه لا يقع على عاتق الدولة لوحدها دعم وإتاحة فرص للنساء واللواتي واجهن ظلماً اجتماعياً، وحد من مشاركتهن، باعتباره دوراً متكاملاً، وقالت: (هنالك أسباب ثقافية واجتماعية متمثلة في المفاهيم والتقاليد والتنشئة، وظروف خاصة بالنساء، غير أن توفير المناخ الذي يدعم ويخلق أرضية إبداعية وفنية هو الذي يجعل الموسيقى إيجابية ومن خلالها تنبني الآليات الدافعة للعملية الفنية والموسيقية وتعكس الوجه الحضاري للمجتمع، وإذا وجد براح من الحريات واهتمام بمجال الفن والإبداع، فهذا مؤشر لوجود منافسة وموسيقى حقيقية).


ولمعرفة المزيد عن دور ومساهمة ومشاركة المرأة السودانية في الموسيقى أكد الدكتور كمال يوسف الأستاذ والباحث والناقد الموسيقي أن للمرأة السودانية دوراً وتأثيراً في الحياة الموسيقية، وقال: (الموسيقى أمر ملازم لحياة الإنسان في الأتراح قبل الأفراح، فالمناحة شكل من النشاط الموسيقي الملئ بالتنغيم وبالتعبير وبالتطريب، فضلاً عن ما تحتويه من نظم شعري وإيقاع دقيق، وهذا الضرب من الفن الموسيقي تخصصت فيه المرأة، حيث غنت لطفلها الهدهدة واللولاي، ثم تابعته فى مختلف مراحل نموه بالأمنيات والدعاء المنظوم والمموسق، وتفردت بأدب موسيقي خاص بها عرف بغناء البنات، عبرت من خلاله عن خصوصية وضعها الاجتماعي، وأوضحت من خلاله الكيفية التى تنظر بها هى لتفاصيل الحياة في مختلف مجالاتها، وقد أسهمت المرأة بإبداعاتها في تنمية الخيال الموسيقي وتهيئة المناخ).


وفي حديثه عن الدور المناط بالدولة القيام به، قال: (الدولة ليس لها دور ملموس في مجال العناية بالفنون الموسيقية، إذ ليست هناك مؤسسات للتعليم الموسيقي، ومراكز الشباب محدودة الإمكانيات، فضلاً عن أن التعليم الموسيقي في المدارس غير موجود، وليست هنالك مساحات كافية لممارسة النشاط الموسيقي، ولا توجد صالات للعروض الموسيقية (كونسيرت)، وليست هناك فرق للمدن كما فى أنحاء العالم). واختتم قوله ب: (الموسيقى في السودان تعيش بقوة دفع ذاتي، كعنصر موجود فى الحياة وبتحريض من الموسيقيين ومن عرفوا معنى وقيمة الموسيقى، ولكن من الناحية الاجتماعية لا يخف علينا القصور الكبير الذي يعاني منه مجتمعنا في تفهمه للموسيقى كعمل له قيمته العالية، فالأمر يبدأ بأن ممارسة الموسيقى ليست من الأمور الجادة، وقد يصل الأمر في كثير من الأحيان إلى التحريم، وبالتالي نحن بحاجة لوقت طويل وجهد كبير لنصل إلى فهم القيمة الحقيقية للموسيقى، ومعرفة موقعها الحقيقي في حياتنا، لنعرف مزاياها في تطوير قدراتنا).

السبت، 10 نوفمبر 2012

ساورا


 *يعرف الكثيرون منا ونسمع - ب وعن- مجموعة ساورا الغنائية، والتي صاغت وتغنت بأعذب وأروع وأجمل الأغنيات بأحلى الألحان، وهي تعبّر عن وجداننا وأشجاننا، أشواقنا وأمانينا، تنوعنا وتعدد هوياتنا، ولكنّ أغلبنا لا يعلم بأمر الشلال الذي يتمثلنا ويعبّر عنّا بفعله وانسجامه مع تلك الطبيعة المدهشة، التي تشبهنا، وروعة المكان، بدارفور الجمال.
 فساورا شلال في جبل مرة بغرب السودان، يصب في البحيرة بثلاثة ألسن، لكل لسان صوت يختلف عن الآخر، وحينما تنعكس عليه أشعة الشمس يبتهج قوس قزح، كما هو الحال في السودان، لكأنما يتلازم التعدد والتنوع في المعنى والمضمون ب(السودان)، فأينما ذكر التنوع وتعدد الثقافات والحضارات واللغات والأديان واللهجات والعادات والتقاليد وكل هذا الزخم من التنوع والتعدد كان مترادفاً تماماً ومطلقاً مع (السودان).
 *كل هذا الثراء والغنى الفاحش في المخزون الثقافي والإرث الحضاي، الكمي-النوعي بدلاً من أن نجعله دافعنا القوي وملهمنا لأن نتطلع لأن نكون في مصاف الدول ومقدمتها جعلنا نهرول إلى الوراء، تسبقنا الدول الأقل ثراءً وتنوعاً بآلاف السنين الضوئية، غير آبهةٍ بما نمر به من عثرات ووعكات، ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يتجاوزه إلى القتل والحروبات، فقد جعلنا من تنوعنا الذي هو مصدر عزنا وفخرنا مصدراً لفرقتنا واختلافاتنا وهدرنا وموتنا.
 جعلنا من ذلك التنوع الخلاّق، والتعدد الثر سبباً لاستعلائنا، ومقتنا لبعضنا، وانتفى لدينا كل أثر من قيمنا السودانية التي لطالما فخرنا بها واعتززنا بانتمائنا لها، تلك القيم التي تجعلنا نتميز عن بقية شعوب الدنيا بها.
 *لما كان السودان وأهله يتعايشون سلمياً، ويودون بعضهم ويحبون (هم)، يحسنون جوارهم، ويكرمون ضيفهم، لم يكونوا إلا (هم)، فماذا جرى لهم؟!
 لم نتعرف على قيم التعايش السلمي والسلام الإجتماعي، والتسامح، واحترام الآخر وقبوله بعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فهذا الآخر هو نحن، لم نكن نفرق بيننا بهكذا معايير، فمعاييرنا كانت تختلف، فهي النخوة والشهامة والمروءة وإكرام الضيف والنفير والفزع، واحترام المرأة، والعدل، ونتساوى فيما بينا، وأحياناً نظلم أنفسنا لأجلنا الأخرى، نُوقّر كبيرنا ونخاف على صغيرنا، لا يضيرنا إلى أيّ القبائل ننتمي، فالكل منا، وكلنا نحن، (السودانيات والسودانيين)، و(السودان) رمز فخارنا، شموخنا وعزتنا.
 *فلنسأل أنفسنا صراحةً وصدقاً، بيننا وبينها بكل جلاء وصفاء: من منا كان له الخيار في أن يختار من هو؟ وإلى أي الأجناس و القبائل ينتمي؟ وفي أي جغرافيا يكون؟ كيف يكون لونه؟ ما طبيعة شعره؟ ما شكل أنفه؟ ما لون عينييه؟ أهو ذكر أم أنثى؟ وما إلى ذلك من الصفات والوظائف البيولوجية والفسيولوجية البحتة!!!
 *مما يثير العجب حقاً، والسخرية في أحايين اخرى، بل والتقزز والغثيان أيضاً هو ما يحدث لدينا في سوداننا، وطننا (أمّنا)، من تعامل بدونية وتسلط وقهر مع بعضنا، واستعلاءنا علينا، واعتقاد البعض أنهم الأنبل والأسمى والأعظم، لستُ هنا بصدد تقييم هرائهم الذي يدعون، ولكن فليعتقد من يعتقد أنه كائناً من كان، دون المساس بحقوق وكرامة وهوية من يدعون أنهم غير الذي يدّعي، ولنقبل بعضنا على أننا (بشر)، وبهذا المسمى الإنساني الواسع الشامل والكبير، دون الخوض والمساس بخصوصيتنا الثقافية السودانية التي لا نتنكر لها، ولا نريد تبديلها وتغييرها إلى ذاتٍ نغترب عنها، تلفظنا ولا تعترف بنا، وما الذي فيها ونفتقر نحن له؟!
 نحن من تكفي حضاراتنا وتعدد ثقافاتنا، شعوب العالم وتفيض، فقط كن من تكون دون أن تطمس وتشوّه ما بقيّ منا ولنا.
 هل أصبحنا لسنا نحن؟*
 برغم ظروفنا وما جرى ويجري وسيجري لنا، سنظل نحن، فقط بعزيمتنا وقوتنا ونضالنا، اعتزازنا بأنفسنا وكرامتنا، وثقتنا في ذواتنا، وبأننا نحن.
 طرأت علينا تغييرات كثيرة، هزت دواخلنا، وتغلغلت في نسيجنا الإجتماعي، وأثّرت سلباً علينا، ولكن يقيني بأنّا نحن، فقط علينا أن نحسن الإصغاء لنا.
  وحبنا أن نضغط الكف على الكف ونمشي، وإذا جُعنا تقاسمنا الرغيف،،،*

الجمعة، 9 نوفمبر 2012

الكتابة الروائية النسوية في السودان



إبداع يجاوز العقبات وبصمات لها تاريخ


د. علا علي: الكتابة تحليق حر ولا كتابة (حقيقية) مع أجنحة مقيدة
ناجي البدوي: ألَمْ يحِن الوقتُ الذي وجبَ فيه خروجنا على مثل هذه العقبات التصنيفية؟!
فرجينيا وولف: في ظل التقسيم الجنسي للعمل، تقع على عاتق النساء مهمة إنتاج الوقت للرجال ليكتبوا.
رانيا مأمون: أين دور الدولة من الإبداع عموماً؟!!

يتردد كثيراً في أوساط المثقفين/ات مصطلح الرواية النسوية،
وهو مصطلح تثور عليه بعض الكاتبات لأنهن يرين فيه انتقاصاً من قدرتهن على الإتيان بإبداع يوازي ما يأتي به الرجال، وفي هذا المصطلح ما يفتح نفاجاً لتسمية مشابهة في ضروب الإبداع الأخرى كالشعر النسوي واللوحة النسوية وربما الموسيقى النسوية أيضا، فهل يوجد فنياً وفكرياً مايسمى بالرواية النسوية ؟ ترى أخريات أن الكتابة النسوية لا تعني بالضرورة ما تكتبه المرأة فهنالك رجال يكتبون روايات تحمل الصفات الأنثوية من حيث القدرة على الخلق والتوليد والإبداع.
 فبالرجوع إلى بدايات كتابة الرواية النسوية نجد أنه كان لدى النساء رغبة أو حالة من الإقدام للتعبير عن الذات، ولكنهنّ مؤخراً تجاوزن ذلك، وخرجن من الإطار الذاتي وأصبحنّ ذوات نظرة أعمق وأشمل وأعم. ويرى البعض أن للثقافة العربية الإسلامية دور سالب فيما تعانيه النساء الروائيات، وذلك فيما يختص بالقمع وعدم توفير الثقة الكافية بالنفس، مما يؤثر على مقدرة المرأة  ويحد من قيمتها الإبداعية.
   وفي شأن الكتابة النسوية  يقول المفكر الراحل الخاتم عدلان، عنها: (أن يتم تحطيم الصورة النمطية التي يكونها الرجال عن النساء، والنساء عن أنفسهن، ولأن تحطيم هذه الصورة هو البوابة التي يتحول فيها الرجل إلى إنسان، وتصبح كتابات النساء بقدر ما هي كتابات متحررة من عقابيل الإستبطان، بوابات للتحرر الإنساني الذاتي للكاتبة، والتحرر العام للنساء القارئات، والتحرر الأعم للرجال القارئين، وبما أن موازين القوى في مجتمعاتنا تميل ميلاً منكراً لصالح الرجل، فإن تحرير الرجال من إغتراباتهم الروحية يصبح جزء لا يتجزأ من تحرير المرأة.

الأديبة د.عُلا علي ترى أن المرأة قبلاً كائن أسطوري أُنيط به تحديات ولكنها لازالت تثبت نجاحها، محققةً أسطوريتها، وتقول: (الكاتبة السودانية وللأسف لا زال يواجهها تحدى كونها امرأة، ولا زلنا متوقفات كثيراً عند محطة الجندر ومشكلاته التي تحد من انطلاقة المرأة الكاتبة سواء على صعيد شخصية الكاتبة في حد ذاتها أو على صعيد المحيط  من أسرة ومجتمع)، وتري عُلا أن الكتابة فعل لا متناهي وطريقة ممارسة كاملة ومختلفة للحياة، لكنها تقول:(توجد صعوبة وتأخير في إكتشاف الكاتبة السودانية لحقيقة ذاتها في ظل النمط الجاهز المرسوم لما يجب أن تكونه ويكون هذا التأخير خصما علي المراحل التي يفترض أن تعبرها، فعندما يتم الاكتشاف تجد نفسها متنازعة بين كثير من التحديات التي تضعها في محك الأولويات، فالكاتبة السودانية هي الطالبة، والعاملة، والأم  وربة منزل، مع التأكيد بأن الظرف الاقتصادي في السودان ضاغط  وخانق، وقد تضطر إلى العمل خارجاً ثلثي اليوم، ناهيك عن الأعباء التي تنتظرها بالمنزل، متى تكتب؟! في ظل وجود أسر ومجتمع لا زال ينظر إلى كتابة المرأة على أنها رفاهية لا ضرورة لها! دعك من الكتابة التي تجعلها  تؤمن بأنها تمتلك القوى التي تجعلها قادرة علي خلق ظروفها، لكن متى تقرأ؟ وتضيف: (الكتابة لا تنبع من فراغ؛ لأنها تجربة ثرة وتحتاج للصقل والتطوير، لكن الكاتبة السودانية تجد نفسها موضوعة داخل حدود مرسومة للحركة، وهنالك حدود مرسومة تلاحقها على مستوى الكتابة، من شاكلة المسكوت عنه. والكتابة تحليق حر ولا كتابة (حقيقية) مع أجنحة مقيده، فضلا عن أن هنالك مشكلات ذات صلة بالنشر).
 وللخروج من تلك الأزمة تقول: (لابد من ترسيخ وعي الأسر والمجتمع بماهية المرأة الكاتبة، وبتفردها وخصوصيتها. ومن ثم بماهية كتابتها وضرورتها ودورها في طرق المواضيع التي تهمها وتهم المجتمع، فإذا نجحنا في خلق هذا الوعي سنختصر مراحل كثيرة في استمرارية مشوار الكاتبة السودانية وانتظام منتوجها الأدبي. وحجر الأساس هو الدعم من الدولة، وتشكيل وتسهيل انخراطها في كل ما يساهم في تطوير التجربة  عبر الورش والدورات التدريبية. والمؤتمرات والمعارض  في الداخل والخارج).
 وحول إرتياد المرأة مجال الأدب وارتباطها بمجالها العلمي ترى (عُلا) أن هنالك ثمة علاقة ما بينهما، وأن هنالك مشكلة في الأسر السودانية، فهي توجه أبناءها وبناتها في مراحلهم/ن المبكرة لخياراتهم/ن.

 وفي حديثها عن الرواية العالمية تقول: (الرواية النسوية في السودان لا تنفصل بحال عن الرواية العالمية، والتي نأخذ نموذج لها الكاتبة والروائية التي أثارت جدلاً واسعاً بكتاباتها  فرجينيا وولف  والتي تتخيّل أنه لو كان لشكسبير أخت فهي لا تقلّ عنه عبقرية، ولكن لم/ لن تتاح  لها الفرص التي توفّرت له، فهي لم تُرسل إلى المدرسة ولم تُشجع على التعلّيم ولم تكتسب سوى خبرة ضئيلة في الحياة، ولم يكن لديها متنفّس لعبقريتها، وعندما يهددها زواج عليها الهرب إلى لندن راغبة في العمل كممثلة، غير أن طموحها يُواجه بسخرية، فتضطر أن تكون عشيقة لرجل وإذ تجد نفسها حاملاً تنتحر، وهكذا يكون مصير أي امرأة تتمتع بعبقرية وموهبة فذة.
 وتتساءل وولف عن عدد الكتب التي يكتبها الرجال عن النساء في عام واحد، وتقول بأن النساء أكثر المخلوقات موضوعاً للنقاش في الكون، وتطرح تساؤلاً أساسياً حول غياب أو ندرة الكاتبات في عصر النهضة والقرن السابع عشر، وتبين وولف أن إفتقار النساء إلى التعليم والمال، ووطأة القيود الفكرية التي يخضعن لها، يولد لديهن إحساساً بعدم الأمان، ومحو الذات، ويمارس تأثيره على تفكير الكاتبة، وأحد العوائق الأساسية التي تواجه الكاتبة انه يُنظر لكل نسوي كما لو أنه ينبثق من لا مكان، كما لو أن كل واحدة عاشت وفكرت وعملت دون مخاض تاريخي. فضلاً عن افتقارها إلى الراحة ووقت للكتابة، وافتقارها إلى الثقة  بنفسها وإلى التجربة وفسحة للتأمل، والعلاقة الحميمة مع الأحداث، فاستخدام القلم من قبل المرأة يهدد السلام العائلي،  وفي ظل التقسيم الجنسي للعمل تقع على عاتق النساء مهمة إنتاج الوقت للرجال ليكتبوا. وبسبب النظام البطرياركي الذي يضطهد النساء، اضطر عدد منهن أن يخفين هوياتهن الشخصية خلف أسماء مستعارة، وتعتقد وولف بأن الكاتبات يحصلن على إحتفاء أفضل بإنتاجهن إذا جرى الظن بأنهن رجال. وتنبه وولف إلى أن النقد بأيدي الرجال دوماً، وبأن صورة الكاتبات تقدم في إطار التقليد الأدبي الذي يهيمن عليه الرجال. وترى وولف التي تناولت العديد من أعمال الكاتبات أن التعبير عن الغضب مُهلِك للفن ومشوه له.
 وتسلط فرجينيا وولف الضوء على النساء المثقلات بالعذاب، وتصرخ بغضبها المكبوت والمُعلن في وجه كل الأنظمة المعيقة لتحرر المرأة: أن أعطوا النساء فرصتهن وحقوقهن.

 التقينا بالكاتبة رانيا مأمون والتي ترى أن الكتابة في السُّودان هي اختيارٌ أو فعلٌ إضافي لفعلٍ أساسي، بمعنى أن الكتابة لا تُعامل كمهنةٍ يُعتاش منها في إشارة منها للكتابة الإبداعية، وقالت: (يوجد دوما صحفي 
شاعر، وطبيب شاعر، موظف روائي، دائماً ما توجد مهن أساسية والكتابة ما هي إلا منتجع يتنزَّه فيه الكُتَّاب في حين يكسبون رزقهم من مهنٍ أخرى. فعزوف المرأة عن الكتابة وقلة إنتاجها أو توقفها عن الكتابة هو نتيجة حتمية لهذا الوضع. لا يوجد هنا مفهوم الكاتب الحُر الذي يعتاش من كتابته، فإن قلت بأن مهنتي كاتبة، سأطالب بخطاب توظيف من مؤسسة أعمل بها ككاتبة وهنا تصبح الوظيفة
 Clerk وليست Author
في حين لو أن الكتابة مهنة وحِرفة سيتغير الحال سواء كان الرسمي أو علاقة الكاتب أو الكاتبة بالكتابة.
 وتخلص رانيا في أن الكاتبة هي امرأة، والنساء عليهنْ مسئوليات جمَّة، مما يدفع بالكتابة إلى الوراء على سُلم الأولويات، وتقول: (الكتابة ليست أصيلة في الكاتبة السوُّدانية، ولكن ما يحدث هو أن تختلف الأولويات وتؤجل الكتابة، والرجل السوداني إلا ما ندر مُدلل ومتطلب واتكالي، والمرأة السودانية لا تعزف عن الكتابة، إنما يقل إنتاجها ونشرها وتواجدها).)
 وعن  قلة المنتوج الأدبي للمرأة السودانية ترى رانيا أننا قوم ممهولون، والفكرة تأتي ولا نُسارع بتسجيلها على افتراض أننا سنفعل ذلك لاحقاً، وتقول: (الكاتبة تحمل هم الكتابة دائماً ولكنها لا تبذل الجهد والتركيز اللازمين لفعل الكتابة، ولكن السؤال هو أين دور الدولة من الإبداع عموما؟!ً
. أما المجتمع فهو ينظر بعدم اكتراث وتقدير مستحق للكتاب بشكلٍ عام
 وعن دور النشر وسبل وكيفية وصول المبدعات  تضيف رانيا: (هنا يختلف الحديث، فإن وصلت الكاتبة لدور النشر تبدأ معاناة من نوع آخر، اختيار الدار وجودة الطباعة وضمان التوزيع والالتزام المادي تجاه الدار، ولكن لن ننفي أن نشر كتاب لكاتبة يُعد إنجازاً طيباً ومُرضياً. ووصول المبدعات لدور النشر ليس صعباً إن كان الكتاب يستحق النشر فهو يُنشر).
 وفي ختام حديثها أكدت رانيا أنها لا تكابر وتقول: (إن إنتاجي الإبداعي لم يقل، إضافة إلى  أن مشاركتي في العمل الثقافي العام أصبحت نادرة ومُقلّة، ولكنني لست متوقفة، فلديّ نصوص في طريقها للنشر).

وعن تلك التصنيفات وماهية مصطلح الرواية النسوية فيقول الناقد ناجي البدوي: (وظيفة الفن تجدّيِد إدراكنا وأن نكُفَّ عن رؤية ما تعودنا أن نراه).
والكاتب يهزُّ المشهد المألوف، وبفعلٍ أشبه بالسحر، نرى فيه معنى جديداً، والمرأة كتبت الرواية، كما الرجل كتبها، ليس لأنَّ الرجل كتب الرواية، ومن ثمَّ كتبتها رغبةً في تقليد طرقه هذا الضرب الجمالي، أو هي التي سبقته ولظرفٍ ما، تم وضع كامل تجربة الكتابة الروائية لصالح توقيعه الذكوري، بحسبان أنَّها إحدى انجازاته الكونية، ليس الأمر بهذه السهولة، أمامنا هذا الجسد كلُّه، الذي يفكِّر، ومناطقه غير المكتشفة، والحياة بكاملها تمتد بنا ونمتد، وكم مُخزية وجميلة ومُلغزة وعصية وميتة ومُباغِتة، منها ما استطعنا تغطيته ومُساءلته وإبداعه، ومنها ما لم نستطيعه ونحتمله ولم يصادفنا بعد، لكن هل أستطيعُ التأكُّد وأنا أرى العالم وأشتغل على نفسي وجسدي أثناء عالمٍ ما، هل هي نظرتي ذاتها.. بمنطقةٍ وأصبحت الأشياء هي الأشياء مُحالةً لرؤيته الخالصة وأسئلته المُثقلة بسياسات النَّوع وتلقينه الدهري؟ هل نحن منقسمون  في نظرتنا ذاتها وأثناء ذات العالم إلى رجل وامرأة يريان بنظرة سالبة وغير عادلة، ألَمْ يحِن الوقتُ الذي وجبَ فيه خروجنا على مثل هذه العقبات التصنيفية، إنَّها مختلة تتكاثر كلما استسلمنا لها، مثل فرجينيا وولف التي جعلت الكتابة خارجة على العقل النوعي، ليس في الفن سلطة امرأة، أو رجل، ليس ثمة أدوار محسوبة تاريخياً لكلٍ من الرجل أو المرأة، ثمة ضرب جمالي أسمه الرواية، لكن المجازفة بحصر الممكن تحت راية رواية نسوية أو غيرها، يقيمُ حدوداً موهمة داخل ذائقتنا ذاتها، إن لم يلوثها بالتكرار والتصنيف والعادة، فالعقل العظيم هو عقل لا يحملُ نوعاً، فاذا تمَّ هذا الانصهار النَّوعي يغدو العقل في ذُروة خصوبته ويشحذ كافة طاقاته). وأضاف المرأة تكتبُ خارجةً على سنن التطبيقات الكسولة، ولسنا بحاجة للتفكير في إمتيازٍ آخر سوى الجمالي للجمالي ذاته، باحثينَ عن الفنان مُطلقاً، أينما صادتنا أشواقه باسئلتها، وأن نرى  فيه معنى جديد، كما أشارت نجلاء في أحد نصوصها وتقول:(وأجعلني ليسَ نُطفةً وليسَ جَنِينَاً وليسَ ذكراً وليسَ أُنثى وليسَ بيْضُونةً وليسَ طَلعَاً وليسَ مشيجاً يتخَمَّرُ وليسَ مَنِيَّاً يَضجَرُ وليسَ قناةً وليسَ رحِماً وليسَ حَوَاسَّاً تُزَمجِرُ في الوحشةِ تُزَمجرُ في الهَجر.إجعلني النَّدم خالصاً، لمرَّةٍ واحدةٍ أُطيعُكَ وأموت).
 والكتابة الروائية النسوية السودانية لها بصمات واضحة، وأثر وامتداد يدعمه تاريخ، فقد بدأت الأديبة فاطمة عبد الرحمن في مجلة الفجر، وبرزت القاصة آمال عباس العجب في مجلة صوت المرأة، وآمنة أحمد يونس، واستمرت المرأة السودانية في كتاباتها في تطور وتقدم وهي تعبر عن همومها وقضاياها، وتطرقت لأسئلة وجودية كالموت والحياة وعلاقة الإنسان بالوجود، كما عند  زينب عبد السلام المحبوب وسلمى أحمد البشير، وزينب بليل التي نشرت أعمالها في مجلة المنار1957، وقد أصبحت الكتابة النسوية منذ السبعينيات ذات سمت يميزها، وأصبحت ذات خطاب تحرري، وبرزت في هذا النوع من الكتابات: سلمى الشيخ سلامة،  وسعاد عبد التام، وآمال حسين، وفاطمة السنوسى، ويتواصل المسير الذي إنتهجته الرائدات ملكة الدار محمد عبد الله، وزينب بليل، وتزخر الساحة الأدبية الآن بالكثيرات: إستيلا قاتيانو، سارة الجاك، د.علا علي، رانيا مأمون، بثينة خضر مكي، أميمة عبد الله، ليلى أبو العلا، د.ناهد محمد الحسن وغيرهن كثيرات، وقد برزت اللغة القصصية في النصوص كلغة تقترب من تخوم الشعر، وقد برزت الكاتبة السودانية في تأسيس إبداعها انطلاقا من تجاربها الذاتية ومن وعيها باختلافها واستقلاليتها وتصديها لآليات القهر المختلفة).)