الخميس، 15 نوفمبر 2012

أنامل وأصوات نسائية


الرقابة الإجتماعية وتداعيات الركود

وفاء أحمد الطيب

تواصل إبداع الحركة النسوية في شتى ضروب الفن والجمال، وهو نتاج سند ودعم من إرث وتاريخ حافل صاحب مسيرة المرأة والموسيقى، خاصة أن البعض أشار إلي أنه لايمكن الفصل بينهما. وتجربة النساء الرائدات في مجال الموسيقى حفتها مصاعب وآلام وعنت، فقد عانين من نظرة المجتمع لهن وعدم تقبلهن، وكن يكتبن الكلمات بأنفسهن ويقمن بتلحينها، ونذكر هنا على سبيل المثال عائشة الفلاتية والتي كانت تعزف على آلة العود، وجداوية، ومهلة العبادية،
فاطمة الحاج، وحواء الطقطاقه، ومنى الخير، والبلابل، وسلمى عبد القادر التي عزفت على آلة الكمان ودرسته لأجيال من النساء والرجال، وقد تعاقبت وتلاحقت الأجيال مكملة لهذا الإبداع.


أما في مجال العزف والتأليف الموسيقي، فقد برعت النساء في الآلات الموسيقية والإيقاعية ـ وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر (أسماء حمزة) إحدى قامات العزف والتلحين بالسودان، وأستطعن أن يثبتن وجودهن ويساهمن في إثراء الساحة الفنية، ولكن شهدت الآونة الأخيرة غياباً نسبياً للمرأة السودانية بذات الكثافة والجمال الذي صاحب مشوارها الموسيقي، وعن علاقة المرأة بالموسيقى، والرقابة الإجتماعية التي تمارس عليها.. وعن تداعيات هذا الركود وأسبابه


التقينا بالأستاذة: أسماء محمود محمد طه، لنتعرف على وجهة نظرها في هذا الموضوع، فابتدرت حديثها قائلة: (لم تجد المرأة السودانية الفرصة في الحرية والحركة، ولم تدعم كما الرجال، والرأي العام لا يحظر على الرجال أي عمل، في الوقت الذي يضع قيود تكبل من حركة وحياة المرأة، خاصة في ضروب الفنون المختلفة، وفي السودان ينظر للفنون والآداب على أنها هامشية وغير أساسية حتى بالنسبة للرجال، ناهيك عن النساء، وإلى الآن لا يوجد قبول لها بصورة واسعة، لأن المجتمع السوداني متزمت، ونظرته للمرأة بها كثير من التحجيم ونوع من الحماية وعدم الثقة والخوف على المرأة، ولهذه الأسباب مجتمعة لم تتح لها ممارسة دورها في الموسيقى وفي كل الفنون، والآن يوجد إلي حد ما انفتاح)، والذي يحسب كمكسب للمرأة وقدر من الحرية.)


وترى أسماء أن الردة الحالية تحتاج إلى ثورة فكرية وتوعوية ونشر وبث ثقافة الموسيقى لما لها من دور في الحياة، وبها وعبرها يمكن أن تحل قضية المرأة وكل القضايا.


وأضافت: (دور الموسيقى إلى الآن مجهول، ودور المرأة فيها مهمش، ويجب ألا يقتصر على الاستمتاع والطرب فقط، فالموسيقى هي رسالة للحرية والمساواة والعدالة والحياة).


وعن دور الدولة والمجتمع والمراكز في التعريف بالموسيقى ورائداتها، ترى أسماء أن دورهم توعوي وتعريفي، وتقول: ( الموسيقى لها رسالة، وتهدف لتطوير وترقية المجتمع والمساهمة في حل إشكالاته، وحان الوقت للتعامل معها كعنصر رئيسي وفاعل ومؤثر، والموسيقى إمتهان للرجال كما النساء على قدم المساواة، وهي مجال حياتي لا علاقة له بالنوع).


وبذات الأسئلة يرى الموسيقار(شاكر عبد الرحيم)، أن للمرأة مجهودات كبيرة ومقدرة، ظلت تقوم بها في كل المجالات، وقال: (على مستوى الفنون تقوم بأدوار عديدة، فدورها كملهمة يأتي شعراً وأدباً وموسيقى، وكمبدعة موسيقية، لها إرث على مر الأجيال، ودور المرأة ظل حاضراً في الأوركسترا والموسيقى الآلية)، ويرى شاكر أن الإبداع ليس رهيناً بالنوع، وقال: (الموسيقى هي الفن الذي يأتي عبر الموهبة، والفنون تخدم الإنسانية


جمعاء).


وفي ذات السياق يقول الدكتور: علي الضو: (الموسيقى في الأصل نسوية، والرجال بدأوا متأخرين في هذا المجال، باعتبار أن الموسيقى جزءاً من هم النساء العام، لذلك لم يكن هنالك اهتمام كبير بالتجويد والانتشار، والمرأة حينما بدأت الغناء لم تفكر في الأداء الصوتي، فالحبوبة حينما تقوم بالتلحين والغناء في "العديل والزين" كان همها أكبر وأخطر من الاستمتاع، وأنها تفعل ذلك بنفسها ولا تأتي بصاحبة الصوت الجميل).


وأضاف: (إيقاع التمتم بدأته النساء، وهن من علمن الرجال الغناء والتعبير عن أنفسهم وعما يحسونه تجاههن، وأن المرأة في السودان هي التي خلقت الشخصية السودانية، غير أن الشعب السوداني تأثر بالثقافة الإسلامية العربية، ولكنه ما زال يحتفظ ويتعامل مع المرأة وفقاً للثقافة الإفريقية والتي تحترم المرأة جداً، والسودان من أكثر الدول ارتباطاً واحتراماً للمرأة، لا لشيء سوى لأنها فرضت احترامها ووجودها، ومهما فعلت الأنظمة الشمولية فهي لا تستطيع بأي حال أن تفصل بين الرجال والنساء، لأن الارتباط بالمرأة في السودان حميم وعميق ووثيق).


لم تكتفِ المرأة السودانية بالغناء فقط، وإنما برعت كذلك في مجال التأليف الموسيقي والعزف على كافة الآلات الموسيقية، (أروى الربيع) من رائدات العزف على آلة الكمان، وناقدة موسيقية، حدثتنا عن تجربتها وتقييمها لدور النساء في الموسيقى، وهي ترى أن أي فن في أي زمان ومكان لابد وأن يكون ذو صلة قوية بمجتمعه ويرتبط بظروفه وسياقاته، وهي التي تحدد أن يقدم الفن إيجاباً أم سلباً، لأنه يرتبط بالواقع وغير معزول عنه، وإذا كانت الفنون تسمو وترتقي فذلك يعني أن المجتمع كذلك، لأن الفن هو مرآة المجتمع.


وعن تجربتها كعازفة كمان وإبتعادها عن الآلة تقول: (آلة الكمان آلة متميزة، وتعرف بسيدة آلات الأوركسترا، شاركت سابقاً في فرقة أوركسترا الخرطوم الأكاديمية والتي تناولت التراث العالمي والسوداني بشكل علمي، وتحليل وتوزيع أكاديمي، ومن خلاله قمنا بتوصيل رسالة للمجتمع، ولكن ولظروفي الصحية قللت من التمارين، وبالتالي لا أستطيع المشاركة بالصورة الفعالة، لأن تقديم عمل بشكل متقن ومتكامل يتطلب جهداً كبيراً ومتصلاً، وفلسفتي في هذا الجانب إما أن تصل للمستمع بشكل جيد أو لا تصل، لهذه الظروف ابتعدت عن الآلة وعن تدريسها).


وأضافت: (الموسيقى لا علاقة لها بالنوع، والإبداع هو الفيصل، والبعض يعلل فشله وعدم ظهوره باعتبار نوعه وهذا خطأ، وعلى الرغم من أن النساء مقيدات بوضع اجتماعي وثقافي يحد من مشاركتهن، لكن ذلك لا يعني عدم مقدرتهن في الإتيان بما أتى به الرجال، كما لا يمكننا وضع ذلك كمبرر، بل هنالك من يقدم إبداعاً متكاملاً تحدده الظروف والرغبة والإمكانية في الخلق والإبداع غض النظر عن النوع، وهي تراث إنساني).


وترى أروى أنه لا يقع على عاتق الدولة لوحدها دعم وإتاحة فرص للنساء واللواتي واجهن ظلماً اجتماعياً، وحد من مشاركتهن، باعتباره دوراً متكاملاً، وقالت: (هنالك أسباب ثقافية واجتماعية متمثلة في المفاهيم والتقاليد والتنشئة، وظروف خاصة بالنساء، غير أن توفير المناخ الذي يدعم ويخلق أرضية إبداعية وفنية هو الذي يجعل الموسيقى إيجابية ومن خلالها تنبني الآليات الدافعة للعملية الفنية والموسيقية وتعكس الوجه الحضاري للمجتمع، وإذا وجد براح من الحريات واهتمام بمجال الفن والإبداع، فهذا مؤشر لوجود منافسة وموسيقى حقيقية).


ولمعرفة المزيد عن دور ومساهمة ومشاركة المرأة السودانية في الموسيقى أكد الدكتور كمال يوسف الأستاذ والباحث والناقد الموسيقي أن للمرأة السودانية دوراً وتأثيراً في الحياة الموسيقية، وقال: (الموسيقى أمر ملازم لحياة الإنسان في الأتراح قبل الأفراح، فالمناحة شكل من النشاط الموسيقي الملئ بالتنغيم وبالتعبير وبالتطريب، فضلاً عن ما تحتويه من نظم شعري وإيقاع دقيق، وهذا الضرب من الفن الموسيقي تخصصت فيه المرأة، حيث غنت لطفلها الهدهدة واللولاي، ثم تابعته فى مختلف مراحل نموه بالأمنيات والدعاء المنظوم والمموسق، وتفردت بأدب موسيقي خاص بها عرف بغناء البنات، عبرت من خلاله عن خصوصية وضعها الاجتماعي، وأوضحت من خلاله الكيفية التى تنظر بها هى لتفاصيل الحياة في مختلف مجالاتها، وقد أسهمت المرأة بإبداعاتها في تنمية الخيال الموسيقي وتهيئة المناخ).


وفي حديثه عن الدور المناط بالدولة القيام به، قال: (الدولة ليس لها دور ملموس في مجال العناية بالفنون الموسيقية، إذ ليست هناك مؤسسات للتعليم الموسيقي، ومراكز الشباب محدودة الإمكانيات، فضلاً عن أن التعليم الموسيقي في المدارس غير موجود، وليست هنالك مساحات كافية لممارسة النشاط الموسيقي، ولا توجد صالات للعروض الموسيقية (كونسيرت)، وليست هناك فرق للمدن كما فى أنحاء العالم). واختتم قوله ب: (الموسيقى في السودان تعيش بقوة دفع ذاتي، كعنصر موجود فى الحياة وبتحريض من الموسيقيين ومن عرفوا معنى وقيمة الموسيقى، ولكن من الناحية الاجتماعية لا يخف علينا القصور الكبير الذي يعاني منه مجتمعنا في تفهمه للموسيقى كعمل له قيمته العالية، فالأمر يبدأ بأن ممارسة الموسيقى ليست من الأمور الجادة، وقد يصل الأمر في كثير من الأحيان إلى التحريم، وبالتالي نحن بحاجة لوقت طويل وجهد كبير لنصل إلى فهم القيمة الحقيقية للموسيقى، ومعرفة موقعها الحقيقي في حياتنا، لنعرف مزاياها في تطوير قدراتنا).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق